Search This Blog

Thursday, November 3, 2011

رحلة المال..... وشرع الله جزءالثالث



رحلة المال..... وشرع الله   جزءالثالث

ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده
هذا من أهم الوصايا التي أوصى الله بها في هذه الآيات ; لأن العرب في الجاهلية كانوا يستحلون أموال اليتامى لضعفهم عن التفطن لمن يأكل أموالهم ، وقلة نصيرهم ; لإيصال حقوقهم ، فحذر الله المسلمين من ذلك لإزالة ما عسى أن يبقى في نفوسهم من أثر من تلك الجاهلية ، وقد تقدم القول في نظير هذه الآية في سورة الأنعام ، وهذه الوصية العاشرة

وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا .
وهذا التشريع من أصول حرمة الأمة في نظر الأمم ، والثقة بها للانزواء تحت سلطانها ، وقد مضى القول فيه في سورة الأنعام ، والجملة معطوفة على التي قبلها ، وهي من عداد ما وقع بعد أن التفسيرية من قوله ألا تعبدوا الآيات ، وهي الوصية الحادية عشرة

 
وجملة إن العهد كان مسئولا تعليل للأمر ، أي للإيجاب الذي اقتضاه ، وإعادة لفظ العهد في مقام إضماره للاهتمام به ، ولتكون هذه الجملة مستقلة فتسري مسرى المثل

 
وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم

 و القسطاس بضم القاف في قراءة الجمهور ، وقرأه بالكسر حفص ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف ، وهما لغتان فيه ، وهو اسم للميزان ، أي : آلة الوزن ، واسم للعدل ، قيل : هو معرب من الرومية مركب من كلمتين قسط ، أي عدل ، وطاس وهو كفة الميزان ، وفي صحيح البخاري وقال مجاهد : القسطاس : العدل بالرومية ، ولعل كلمة قسط اختصار لقسطاس ; لأن غالب الكلمات الرومية تنتهي بحرف السين ، وأصله في الرومية مضموم الحرف الأول ، وإنما غيره العرب بالكسر على وجه الجواز ; لأنهم لا يتحرون في ضبط الكلمات الأعجمية ، ومن أمثالهم ( أعجمي فالعب به ما شئت

 
ومعنى العدل والميزان صالحان هنا ، لكن التي في الأنعام جاء فيها بالقسط فهو العدل ; لأنها سيقت مساق التذكير للمشركين بما هم عليه من المفاسد فناسب أن يذكروا بالعدل ليعلموا أن ما يفعلونه ظلم ، والباء هنالك للملابسة ، وهذه الآية جاءت خطابا للمسلمين ; فكانت أجدر باللفظ الصالح لمعنى آلة الوزن ; لأن شأن التشريع بيان تحديد العمل مع كونه يومئ إلى معنى العدل على استعمال المشترك في معنييه ، فالباء هنا ظاهرة في معنى الاستعانة والآلة ، ومفيدة للملابسة أيضا

 والمستقيم : السوي ، مشتق من القوام بفتح القاف ، وهو اعتدال الذات ، يقال : قومته فاستقام ، ووصف الميزان به ظاهر ، وأما العدل فهو وصف له كاشف ; لأن العدل كله استقامة ص 99 .
و خير تفضيل ، أي خير من التطفيف ، أي خير لكم ، فضل على التطفيف تفضيلا لخير الآخرة الحاصل من ثواب الامتثال على خير الدنيا الحاصل من الاستفضال الذي يطففه المطفف ، وهو أيضا أفضل منه في الدنيا ; لأن انشراح النفس الحاصل للمرء من الإنصاف في الحق أفضل من الارتياح الحاصل له باستفضال شيء من المال

 
ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا
القفو : الاتباع ، يقال : قفاه يقفوه إذا اتبعه ، وهو مشتق من اسم القفا ، وهو ما وراء العنق ، واستعير هذا الفعل هنا للعمل ، والمراد ب ما ليس لك به علم الخاطر النفساني الذي لا دليل عليه ، ولا غلبة ظن به

 
وما يشهد لإرادة جميع هذه المعاني تعليل النهي بجملة إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ، فموقع الجملة موقع تعليل ، أي أنك أيها الإنسان تسأل عما تسنده إلى سمعك وبصرك وعقلك بأن مراجع القفو المنهي عنه إلى نسبة لسمع أو بصر أو عقل في المسموعات والمبصرات والمعتقدات

 
وهذا أدب خلقي عظيم ، وهو أيضا إصلاح عقلي جليل يعلم الأمة التفرقة بين مراتب الخواطر العقلية بحيث لا يختلط عندها المعلوم والمظنون والموهوم ، ثم هو أيضا إصلاح اجتماعي جليل يجنب الأمة من الوقوع ، والإيقاع في الأضرار والمهالك من جراء الاستناد إلى أدلة موهومة

 
ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا

 
لا تخرق بمشيك أديم الأرض ، ولا تبلغ بتطاولك في مشيك طول الجبال ، فماذا يغريك بهذه المشية ص104
كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها
تذييل للجمل المتقدمة ابتداء من قوله تعالى وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه باعتبار ما اشتملت عليه من التحذيرات والنواهي ، فكل جملة فيها أمر هي مقتضية نهيا عن ضده ، وكل جملة فيها نهي هي مقتضية شيئا منهيا عنه ، فقوله ألا تعبدوا إلا إياه يقتضي عبادة مذمومة منهيا عنها ، وقوله وبالوالدين إحسانا يقتضي إساءة منهيا عنها ، وعلى هذا القياس


يتبع..............................................

No comments:

Post a Comment